من الابجديات التي اصبحت موطن اتفاق على مستوى العالم هي ارتباط تحقيق التنمية الشاملة وامتلاك القوة الاستراتيجية للدول بالإنتاج العلمي والتعليم.
مفهوم إستراتيجية التعليم والانتاج العلمي هو العملية المنظمة التي يتم من خلالها توفير الموارد البشرية المطلوبة كما وكيفا وتوقيتا ومكانا، المطلوبة لتحقيق المصالح الوطنية وذلك من خلال إحداث التنمية العقلية والأخلاقية للأفراد، بما في ذلك توفير الكوادر المدربة بالمستوى العالمي، أكاديميا وفنيا وتقنيا وتشكيل السلوك الوطني والسلوك المهني وتعزيز الانتماء للوطن وبناء السلوك الشخصي القويم وصبغه بالقيم الفاضلة من صدق وأمانة والتزام واحترام وإتقان للعمل واحترام لقيمة الزمن، وتأسيس الشراكة بين مؤسسات التربية والتعليم والتدريب ومؤسسات الدولة، ويتضمن تعميم المعرفة.
إننا لا نستطيع أن نحلم بل يجب علينا ألا نحلم بتحقيق المستقبل المنشود، إذا لم نهتم بشكل كافٍ باستراتيجية التربية والتعليم. ومما يميز استراتيجية التربية والتعليم بشكل عام هو التحول نحو المبادرة في توفير الموارد المطلوبة وليس بذل الجهد في الموارد الموجودة لتحويلها لكي تناسب الاستراتيجية.
من فترة لأخرى تظهر اسئلة ونقاشات جوهرية في النظم التعليمية مثلاً، ما هي انجح الاستراتيجيات التعليمية؟ كيف نطور أنظمة تعليمية قادرة على تلبية تغيرات المستقبل؟ موازنات الصرف على التعليم ودعمه؟ دور البحث العلمي المستقبلي لتحقيق تحديات مهن المستقبل؟ وغيرها الكثير من الاسئلة ذات الاهمية المتعاظمة.
قضية التعليم تقع في المجتمع موقع القلب من جسم الإنسان، فضلا عن أنه بتجويد التعليم يتعاظم الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة وتحقيق أفضل النتائج، لذلك كله نجد كل الدول لديها اهتمام متعاظم بقضية التعليم وفي سباق مستمر من أجل التسلح وتطوير افضل الانظمة والآليات التعليمية التي تلبي طموحات واهداف العصر.
سنظل نطمع في تحقيق الأفضل والمزيد بالمقارنة مع ما يتم من جهد وإنفاق، فضلا عن طبيعة التحديات والإشكاليات التي تواجه مجتمعنا السودان والتي تتطلب دائما سرعة الحركة في سبيل إيجاد جيل من المتعلمين أصحاب التميز، وليس من حملة الشهادات فقط، جيل يجمع بين إدراك يعقبه إيمان وثقة بثقافته الأصيلة وتراثه وتاريخه، وبين الاستيعاب القائم على الوعي لعلوم العصر وأدواته، ورؤية جلية لا لبس فيها ولا غموض حول تحديد الهدف بدقة لاختصار مسافاتالوصول إليه.
أن طبيعة العصر واحتياجات سوق العمل تفرض علينا تحديات كبيرة، تتطلب منا مراجعة المنتج التعليمي، ونقد الذات دون جلدها، ومعرفة الاحتياج الفعلي عبر دراسات علمية دقيقة وموثقة.
لذلك من الأهمية بمكان تطوير أساليب التعليم وتقنياته في السودان بما يتناسب وروح العصر، فضلا عن التأهيل المهني للمعلم بشكل مستمر، في إطار التكامل بين المؤسسات التعليمية بعضها بعضا من ناحية، وبين باقي المؤسسات من ناحية أخرى؛ سعيا لتكامل الأدوار بدلاً من العمل بطريقة الجزر المنعزلة.
ويمكن إدراج بعض الاستراتيجيات التي من شأنها المساهمة في رفع قيمة مردود التعليم كآلاتي:
-1 التركيز على التخطيط المستقبلي والرؤى التعليمية، لكي تواكب نوعية التعليم والتحولات والمستجدات العالمية.
-2 إيجاد حلول غير تقليدية للمشاكل التعليمية (المشاكل المادية، المشاكل التقنية والتطبيقية ( تساعد في التقدم والتطور العلمي.
-3 تحفيز الحراك الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في السودان الذي بدوره سيؤدي الى الحراك العلمي والتعليمي.
-4 احتضان الكفاءات والبحث العلمي ذي النوعية العالية والشراكات بين دول العالم.
-5 متابعة تنقيذ الاتفاقيات التعليمية والثقافية بين البلدان بالإضافة لتوصيات المؤتمرات الخاصة بالتعليم (مثل المؤتمر القومي للتعليم بالسودان (.
-6 الارتقاء بإعداد المناهج وتضمين المفاهيم التي تدعم الروابط والعلاقات الاسلامية ومفاهيم وحدة الامة.
-7 الاستفادة من التجارب الناجحة المتعلقة باقتصاديات التعليم في البلدان ذات الظروف المماثلة.
-8 الاهتمام بإنشاء المدن العلمية متعددة الاغراض ذات الادوار التكاملية التي تخدم الأمة الاسلامية (كمثال مدينة احمد زويل العلمية (.
الخلاصة:
بحكم تجربتي في ميدان التعليم، فإني أعتقد أن هناك فجوة بين التعليم الجامعي وما قبله (التعليم العام)، تجعل من الصعوبة بمكان على الطالب أن يواصل دراسته الجامعية بشكل متميز، وهو ما يتطلب مزيدا من الجهد والبذل، فالتميز في المدارس الثانوية يغني عن بذل مزيد من الجهد والأعباء لتأهيل الطالب للدراسة الجامعية.
على الجانب الآخر، فإن هذه التحديات لن يتم تجاوزها والتغلب عليها دون شراكة مجتمعية، ابتداء من التخطيط وخلال مراحل التطبيق ومعرفة المردود، فلا يمكن أن تتم الخطط التطويرية في المجال التعليمي في غياب طرف مهم يتأثر ويؤثر في كل المراحل وهو الأسرة، وهذه الشراكة هي الضمانة لنجاح خطط التحديث في ميدان التعليم.
إن كفاءة المؤسسات التعليمية، وتطوير المناهج، وتوفير بيئة تحفيزية تتماشى واحتياجات المجتمع، وإعداد جيل من الخريجين مهيأ لاقتصاد المعرفة، باتت ضرورة لا تحتمل التراخي، في عصر تحدد فيه جودة التعليم معيار تقدم الأمم. كما لابد على المؤسسات التعليمية (الجامعات خصوصاً) ان تحضر طلبتها للمهن التقليدية وبجانب ذلك يجب تهيئتهم لمهن المستقبل، كما على الجامعة ان تؤسس للبحث العلمي الذي من شأنه أن يرجع بالنفع على مجتمعاتها ابتداء بتحدي كتابة البحوث باللغة التي تتقنها الفئة التي ستطلع عليها.
المراجع:
-1 د/راغب السرجاني – العلم وبناء الأمم – مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة- الطبعة العاشرة 2007 م.
-2 د/محمد حسين أبو صالح – التخطيط الاستراتيجي القومي- الزيتونة للطباعة – الطبعة العاشرة 2014 م.
-3 د/محمد عبدالغني حسن هلال – مهارات التفكير والتخطيط الاستراتيجي – مركز تطوير الاداء والتنمية -القاهرة 2006 م.
-4 د/غوستاف لوبون – السنن النفسية لتطور الأمم – مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة – الطبعة الاولى 2014 م.
-5 د/فادي رضوان – سلسلة تطوير التعليم (الإدارة الهادفة نحو غايات اخلاقية في التعليم ( – دار القدس للعلوم – الطبعة الاولى 2010 م.
-6 المؤتمر القومي للتعليم بالسودان- توصيات المؤتمر – الخرطوم فبراير 2012 م.
-7 المواقع الإلكترونية العلمية في الإنترنت.